[b]حسان بن ثابت بن المنذر الخزرجي الأنصاري،
أبو الوليد، شاعر الرسول " صلى الله عليه وسلم"
وأشهر الشعراء المخضرمين عاش في الجاهلية ستين سنة
وأدرك الإسلام فأسلم وعاش ستين سنة أخرى في الإسلام،
وأصبح حسان بعد إسلامه مدافعاً عن الإسلام ليس من خلال سيفه
ولكن من خلال نظم القصائد والأشعار
، ولقب بـ " شاعر الرسول"
نظراً لشعره الغزير والذي يمدح فيه الرسول
والصحابة والمسلمين بالإضافة لرثاء الشهداء منهم،
ومهاجاة الخصوم.
ولد حسان بن ثابت في المدينة
قبل مولد الرسول عليه الصلاة والسلام بحوالي ثماني سنين،
ونشأ في بيت جاه وشرف،
كان والده ثابت بن المنذر بن حرام الخزرجي من سادة قومه وأشرافهم،
ووالدته هي " الفريعة" خزرجية مثل أبيه،
ويمتد نسب حسان بن ثابت لبني النجار
أخوال رسول الله صلى الله عليه وسلم فله بهم صلة قرابة.
رحلته الشعرية
نشأ حسان في قبيلة الخزرج والتي كانت لها باع في المعارك
والنزاعات مع قبيلة الأوس وشهدت المدينة الكثير من الوقائع بينهما
، ومثلما خرج قيس بن الخطيم كشاعر للأوس خرج حسان بن ثابت شاعراً للخزرج
، وتبارى كل منهما في عرض شعره والذي يمدح به قبيلته ويهجو الأخرى
، فنظم حسان الشعر في بادئ الأمر من أجل التفاخر والذود
عن قبيلته ضد الهجمات الشعرية التي يشنها عليها قيس بن الخطيم،
ويرد بمثلها الأمر الذي جعله ذائع الشهرة بين العرب.
في إحدى مناوراته الشعرية مع قيس قام حسان
بالتغزل في أخت قيس ليلى لكي يثير غيرته قائلاً:
لَقَد هاجَ نَفسَكَ iiأَشجانُها
وَعـاوَدَها اليَومَ iiأَديانُها
تَـذَكَّرُ لَيلى وَما iiذِكرُها
وَقَـد قُطِعَت مِنكَ iiأَقرانُها
وَحَجَّلَ في الدارِ غِربانُها
وَخَـفَّ مِنَ الدارِ سُكّانُها
وَغَيَّرَها مُعصِراتُ الرِياحِ
وَسَـحُّ الجَنوبِ iiوَتَهتانُها
فما كان من قيس سوى الرد عليه
بقصيدة أخرى قام فيها بالتغزل في عمرة زوجة حسان قائلاً :
أَجَـدَّ بِـعَـمـرَةَ غُـنيانُها
فَـتَـهـجُرَ أَم شَأنُنا iiشانُها
وَإِن تُمسِ شَطَّت بِها iiدارُها
وَبـاحَ لَـكَ اليَومَ iiهِجرانُها
فَما رَوضَةٌ مِن رِياضِ القَطا
كَـأَنَّ الـمَصابيحَ iiحَوذانُها
بِـأَحـسَنَ مِنها وَلا iiمُزنَةٌ
دَلـوحٌ تَـكَـشَّفُ iiأَدجانُها
وَعَمرَةُ مِن سَرَواتِ النِساءِ
تَـنـفَـحُ بِالمِسكِ iiأَردانُها
اتصل حسان بالغساسنة وقام بمدحهم فأجزلوا له العطايا
مع غيره من الشعراء الذين انقطعوا لمدح ملوك الغساسنة
مثل النابغة الذبياني وعلقمة الفحل.
مما قاله في مدح الغساسنة
بـيضُ الوُجوهِ كَريمَةٌ iiأَحسابُهُم
شُـمُّ الأُنوفِ مِنَ الطِرازِ الأَوَّلِ
فَعَلَوتُ مِن أَرضِ البَريصِ إِلَيهِمِ
حَـتّـى اِتَّكَأتُ بِمَنزِلٍ لَم iiيوغَلِ
كما اتصل حسان بعد ذلك بملوك الحيرة فعمل على مدح النعمان بن المنذر،
فأحتل مكانة النابغة عنده بعد وقوع الخلاف
بين كل من النابغة الذبياني والنعمان،
وبعد عودة النابغة إلى النعمان تركه حسان مكرهاً.
إسلامه
مرحلة جديدة من الشعر عاشها حسان بعد ذلك حيث عرف الإسلام
وهو في الستين من عمره، فدخل فيه وأصبح من اشد المدافعين عنه
، وسخر شعره من اجل خدمة الإسلام
ومدحه ومدح الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام
، ورد هجمات القرشيين اللسانية،
التي كانوا يقومون بها من اجل
مهاجاة الإسلام والنبي عليه الصلاة والسلام.
مما قاله في مدح الرسول
وَأَحسَنُ مِنكَ لَم تَرَ قَطُّ عَيني
وَأَجـمَلُ مِنكَ لَم تَلِدِ iiالنِساءُ
خُـلِقتَ مُبَرَّءً مِن كُلِّ iiعَيبٍ
كَـأَنَّكَ قَد خُلِقتَ كَما iiتَشاءُ
لم يشارك حسان بعد إسلامه مع الرسول في أي من الغزوات أو المعارك
وذلك لداء أصابه بالخوف،
ولكنه طالما انشد الأشعار التي تمدح الرسول والإسلام
وهجا بها الكافرين من قريش،
وكان لا يهجوهم بكفرهم ولكن من خلال
أخبار قبائلهم وهزائمهم وأنسابهم.
قال الرسول عليه الصلاة والسلام يوماً للأنصار "
ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟ "
فقال حسان بن ثابت :
أنا لها، وأخذ بطرف لسانه ،
وقال الرسول عليه السلام :
"والله ما يسرني به مِقْول بين بصرى وصنعاء"
انطلق حسان بعد ذلك في شعره يساند به
الإسلام فتنوع ما بين مدح الإسلام والرسول
ورثاء شهداء المسلمين وهجاء للمشركين والمعاديين للإسلام
فكان لا يدع مناسبة إلا وانطلق ينظم الشعر بها،
وكان حسان من خلال شعره يسجل أخبار المسلمين من غارات وغزوات،
ويمدح الصحابة والتابعين.
وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يثني عليه ويعطيه العطايا والغنائم،
ويقول له "اهج المشركين فإن روح القدس معك".
مما قاله عندما حقق المسلمين النصر في غزوة بدر
فـيـنا الرَسولُ وَفينا الحَقُّ نَتبَعُهُ
حَـتّى المَماتِ وَنَصرٌ غَيرُ iiمَحدودِ
ماضٍ عَلى الهَولِ رِكّابٌ لِما قَطَعوا
إِذا الـكُـماةُ تَحامَوا في iiالصَناديدِ
وافٍ وَمـاضٍ شِهابٌ يُستَضاءُ iiبِهِ
بَـدرٌ أَنـارَ عَـلـى كُلِّ iiالأَماجيدِ
مُـبـارَكٌ كَـضِياءِ البَدرِ iiصورَتُهُ
مـا قـالَ كانَ قَضاءً غَيرُ iiمَردودِ
مُـسـتَعصِمينَ بِحَبلٍ غَيرِ iiمُنجَذِمٍ
مُـسـتَحكِمٍ مِن حِبالِ اللَهِ مَمدودِ
وقال في مدح رسول الله
شَـقَّ لَـهُ مِـنِ إِسـمِهِ كَي يُجِلَّهُ
فَـذو الـعَرشِ مَحمودٌ وَهَذا iiمُحَمَّدُ
نَـبِـيٌّ أَتـانـا بَـعـدَ يَأسٍ iiوَفَترَةٍ
مِنَ الرُسلِ وَالأَوثانِ في الأَرضِ تُعبَدُ
فَـأَمـسى سِراجاً مُستَنيراً iiوَهادِياً
يَـلـوحُ كَـما لاحَ الصَقيلُ iiالمُهَنَّدُ
وَأَنـذَرَنـا نـاراً وَبَـشَّـرَ iiجَـنَّةً
وَعَـلَّـمَـنـا الإِسلامَ فَاللَهَ iiنَحمَدُ
وَأَنـتَ إِلَـهَ الـحَـقِّ رَبّي iiوَخالِقي
بِـذَلِـكَ ما عُمِّرتُ في الناسِ iiأَشهَدُ
تَعالَيتَ رَبَّ الناسِ عَن قَولِ مَن iiدَعا
سِـواكَ إِلَـهـاً أَنـتَ أَعلى iiوَأَمجَدُ
لَـكَ الـخَلقُ وَالنَعماءُ وَالأَمرُ iiكُلُّهُ
فَـإِيّـاكَ نَـسـتَـهدي وَإِيّاكَ نَعبُدُ
لِأَنَّ ثَـوابَ الـلَـهِ كُـلَّ iiمُـوَحِّـدٍ
جِـنـانٌ مِـنَ الفِردَوسِ فيها يُخَلَّدُ
وعند وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام
قام حسان بإلقاء واحدة من أفضل قصائده،
حيث يرثي فيها الرسول الكريم بالكثير من الأسى والحزن.
بَـطَـيـبَةَ رَسمٌ لِلرَسولِ وَمَعهَدُ
مُـنـيرٌ وَقَد تَعفو الرُسومُ iiوَتَهمَدِ
وَلا تَمتَحي الآياتُ مِن دارِ iiحُرمَةٍ
بِها مِنبَرُ الهادي الَذي كانَ iiيَصعَدُ
وَواضِـحُ آثـارٍ وَبـاقـي iiمَعالِمٍ
وَرَبـعٌ لَـهُ فيهِ مُصَلّى iiوَمَسجِدُ
بِـهـا حُجُراتٌ كانَ يَنزِلُ iiوَسطَها
مِـنَ الـلَهِ نورٌ يُستَضاءُ iiوَيوقَدُ
مَعارِفُ لَم تُطمَس عَلى العَهدِ آيُها
أَتـاهـا الـبِلى فَالآيُ مِنها iiتُجَدَّدُ
ومما قاله أيضاً في رثاء الرسول عليه الصلاة والسلام
مـا بـالُ عَـيني لا تَنامُ iiكَأَنَّما
كُـحِـلَـت مَآقيها بِكُحلِ الأَرمَدِ
جَزَعاً عَلى المَهدِيِّ أَصبَحَ iiثاوِياً
يا خَيرَ مَن وَطِئَ الحَصى لا تَبعُدِ
جَـنبي يَقيكَ التُربَ لَهفي لَيتَني
غُـيِّـبتُ قَبلَكَ في بَقيعِ iiالغَرقَدِأسلوبه الشعري
انعكست علاقة حسان مع الملوك على أسلوبه الشعري حيث
تميزت قصائده في المديح عن غيرها،
هذا بالإضافة لإلمامه بالشعر الهجائي وأساليبه وأدواته ومذاهبه،
واعتمد في أداؤه الشعري على التضخيم
والتعظيم وضم شعره الألفاظ الجزلة القوية.
قال عنه أبو عبيدة "فضل حسان الشعراء بثلاثة:
كان شاعر الأنصار في الجاهلية،
وشاعر النبي في النبوة، وشاعر اليمانيين في الإسلام".
تنوع شعر حسان بين كل من الهجاء والفخر والمدح والرثاء،
فقبل دخوله إلى الإسلام تركز شعره على الفخر
والشعر النضالي والذي يعمل من خلاله على المفاخرة بقبيلته الخزرج
والرد على الهجمات الشعرية لقيس بن الخطيم من قبيلة الأوس
، وهجاء الخصوم، ثم انتقل إلى مرحلة أخرى فتركز شعره
على المدح فمدح العديد من الملوك والأمراء
الذين اجزلوا له العطايا والهدايا،
وكان يميل قبل الإسلام إلى حياة اللهو
وشرب الخمر وله أوصاف في الخمر والغزل،
ثم أنتقل بشعره بعد الإسلام إلى الدفاع
عن الإسلام وعن الرسول عليه الصلاة والسلام ومدحهم،
والرد على أنصار الجاهلية
، وقد ارتقى حسان في هذه المرحلة بشعره فلم يكن من اجل
الاستجداء أو التكسب بل من أجل نصرة الإسلام ورسوله،
ومدح الصحابة والتابعين.
الوفاة
جاءت وفاة حسان عام 54هـ - 673م بالمدينة، وقد تجاوز المائة عام.